للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا تَعْلَمُونَ﴾.

قال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ على كره من فريق من المؤمنين، كذلك هم كارهون للقتال، فهم يجادلونك فيه بعدما تبين لهم. ثم روى نحوه عن مجاهد، أنه قال: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ قال: كذلك يجادلونك في الحق.

وقال السدي: أنزل الله في خروجه إلى بدر ومجادلتهم إياه، فقال: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ لطلب المشركين، ﴿يُجَادِلُونَكَ [فِي الْحَقِّ] [١] بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾.

وقال بعضهم: يسألونك عن الأنفال مجادلة؛ كما جادلوك يوم بدر فقالوا: أخرجتنا للعير، ولم تعلمنا قتالًا فنستعدَّ له.

قلت: رسول الله، ، إنما خرج من المدينة طالبًا لعير أبي سفيان، التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام، فيها أموال جزيلة لقريش، فاستنهض رسول الله، ، المسلمين من [٢] خَفَّ منهم، فخرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، وطلب نحو الساحل من على طريق بدر، وعلم أبو سفيان بخروج رسول الله، ، في طلبه، فبعث ضمضم بن عمرو نذيرًا إلى مكة، فنهضوا في قريب من ألف مُقَنَّع ما بين التسعمائة إلى الألف، وتيامن أبو سفيان بالعير إلى سيف البحر فنجا، وجاء النفير فوردوا ماء بدر، وجمع الله بين [٣] المسلمين والكافرين على غير ميعاد، لما يريد الله تعالى من إعلاء كلمة المسلمين، ونصرهم على عدوهم، والتفرقة بين الحق والباطل، كما سيأتي بيانه.

والغرض أن رسول الله، ، لما بلغه خروج النفير، أوحى الله إليه يَعِدُه إحدى الطائفتين، إما العير وإما النفير، ورغب كثير من المسلمين إلى العير؛ لأنه كسب بلا قتال، كما قال تعالى: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾.

قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره (٣١): حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني،


(٣١) - رواه الطبراني في المعجم الكبير (٤/ ١٧٤).
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٧٤) وقال: إسناده حسن، ورواه البيهقي في دلائل النبوة (٢/ ٣٢٣) مختصرًا.