وقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ﴾، [قرأ حمزة: ولايتهم بالكسر، والباقون بالفتح، وهما واحد كالدِّالة والدَّلالة][١] ﴿مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾، هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين، وهم الذين آمنوا ولم يهاجروا، بل أقاموا في بَوَاديهم، فهؤلاء ليس لهم في المغانم نَصِيبٌ، ولا في خُمسها إلَّا ما حضروا فيه القتال، كما قال الإمام أحمد (٢٣٧):
حدَّثنا وكيع، حدَّثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بُرَيدة عن أبيه: بُرَيدة ابن الحُصَيب الأسلمي ﵁ قال: كان رسول الله، ﷺ، إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش، أوصاه في [٢] خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، وقال:"اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى [٣] ثلاث خصال - أو: خلال - فأيتهن ما أجابوك إليها فأقبل منهم، وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فأقبل منهم، وكف عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين، وأن عليهم ما على المهاجرين، فإن أَبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهُم في الفيء والغنيمة نصيب، إلَّا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أَبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أَبوا فاستعن بالله ثم قاتلهم".
يقول تعالى: وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب، الذين لم يهاجروا في قتال ديني، على عدوّ لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرهم؛ لأنهم إخوانكم في الدين، إلا أن يستنصروكم على القوم من الكفار ﴿بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾، أى: مهادنة إلى مدة، فلا تخفروا [٤] ذمتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم. وهذا مروي عن ابن عبَّاس ﵁.