وقال السُّدي: عن أبي مالك وعن أبي صالحٍ عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي ﷺ ﴿غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ﴾: هم اليهود، ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾: هم النصارى.
وقال الضحاك وابن جريج، عن ابن عباس: ﴿غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ﴾: اليهود [١]، ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾: النصارى.
وكذا [٢] قال الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد. وقال ابن أبي حاتم: ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافًا.
وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون، الحديث المتقدم، وقوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في [سورة][٣] البقرة: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾. وقال في المائدة: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [٤]﴾. وقال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
وفي السيرة (١٧١) عن زيد بن عمرو بن نفيل -أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف، قالت له اليهود: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. فقال: أنا من غضب الله أفر، وقالت له النصارى: إنك لن تستطع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله. فقال: لا أستطيعه. فاستمرّ على فطرته، وجانب عبادة الأوثان ودين المشركين، ولم يدخل مع أحد من اليهود ولا النصارى.
وأما أصحابه فتنصروا ودخلوا في دين النصرانية؛ لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذاك، وكان منهم ورقة بن نوفل حتى هداه الله بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي، ﵁.
[مسألة: والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب
(١٧١) - انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٢٢٤)، وأخرجه البخاري مطولا (٧/ ١٤٢ - ١٤٣)، وعزاه في الإصابة بهذا السياق لأبي يعلى والبغوي، والروياني والطبراني والحاكم.