للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مخرجيهما وذلك أنّ الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا؛ ولأن كلًّا من الحرفين من الحروف المجهورة، ومن الحروف الرخوة، ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك، والله أعلم. وأما حديث: "أنا أفصح من نطق بالضاد" (١٧٢) فلا أصل له، والله أعلم] [١].

[فصل]

اشتملت هذه السورة الكريمة، وهي سبع آيات، على حمد الله وتمجيده والثناء عليه، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا [٢]، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين، وعلى إرشاده [٣] عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه، والتبرؤ من حولهم وقوتهم، وإلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية ، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم، وتثبيتهم عليه حتى يفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة، المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك الباطل، لئلا يحضروا مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضالون. وما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ﴾ وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى: ﴿غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِمْ﴾. الآية.

وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به، وإن كان هو الذي أضلهم بقدره كما قال تعالى: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾، وقال: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال، لا كما تقول الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم من أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه، ويحتجون على بدعتهم [٤] بمتشابه من القرآن، ويتركون ما يكون فيه صريحًا في الرد عليهم.

وهذا حال أهل الضلال والغي، وقد ورد في الحديث الصحيح: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذووهم" (١٧٣). يعني في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي


(١٧٢) - كشف الخفا (١/ ٢٠٠ - ٢٠١)، ونقل عن السيوطي أنه قال في اللآلئ: معناه صحيح، ولكن لا أصل له، وهو في الفوائد المجموعة (ص ٣٢٧).
(١٧٣) - رواه البخاري في تفسير القرآن من صحيحه، باب: منه آيات محكمات برقم (٤٥٤٧)، =