للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيضًا، وفيه نظر. والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس، في رواية العوفي عنه، وبه قال مجاهد، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن إسحاق، وقتادة، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ أن المراد بها أشهر التسيير الأربعة المنصوص عليها في قوله [١]: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾. ثم قال: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾. أي: إذا انقضت الأشهر الأربعة [التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم؛ لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر، ثم إن الأشهر الأربعة] [٢] المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد [] [٣] في هذه السورة الكريمة.

وقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ أي: من الأرض، وهذا عامٌّ والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾.

وقوله: ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ أي: وَأْسروهم إن شئتم قتلًا وإن شئتم أسرًا.

وقوله: ﴿وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ أي: لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم [٤] بالحصار في معاقلهم وحصونهم، والرصد في طرقهم ومسالكهم، حتى تضيقوا عليهم الواسع، وتضطروهم إلى القتل أو الإِسلام؛ ولهذا قال: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

ولهذا اعتمد الصديق في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها، حيث حرمت [٥] قتالهم بشرط هذه الأفعال، وهي الدخول في الإِسلام، والقيام بأداء واجباته، ونبه بأعلاها على أدناها، فإن أشرف [أركان الإِسلام] [٦] بعد الشهادتين [٧] الصلاة التي هي حق الله ﷿ وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعدٍ [٨] إلى الفقراء والمحاويج، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين؛ ولهذا كثيرًا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة، وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر عن رسول الله ، أنه قال: "أمرت أن [٩] أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة … " الحديث.

وقال أبو إسحاق عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن لم يترك فلا صلاة له.


[١]- في خ: "بقوله".
[٢]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.
[٣]- في ز: "هذا"، خ: "هنا".
[٤]- في ز: "تقصدوهم".
[٥]- سقط من: ز، خ.
[٦]- في ز: "الأركان".
[٧]- في ز: "الشهادة".
[٨]- في ز: "متعدي".
[٩]- في م: "أنا".