للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحاصل: أنه تعالى لما شرع [لعباده الجهاد] [١] بين أن له فيه حكمة وهو اختبار عبيده من يطيعه ممن بعصيه، وهو تعالى العالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فيعلم الشئ قبل كونه ومع كونه على ما هو عليه، لا إله إلا هو ولا رب سواه، ولا راد [٢] لما قدّره وأمضاه.

﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)

يقول تعالى: ما ينبغي للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بنيت على اسمه وحده لا شريك له، ومن قرأ "مسجد الله" فأراد به المسجد الحرام أشرف المساجد فى الأرض، الذي بني من أول يوم على عبادة الله وحده لا شريك له، وأسسه خليل الرحمن، هذا وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر أي: بحالهم وقالهم كما قال السدي: لو سألت النصراني: ما دينك؟ لقال نصراني، [ولو سألت] [٣] اليهودي: ما دينك؟ لقال [٤]: يهودي، والصابئ [٥]؟ لقال: صابئ، والمشرك لقال: مشرك ﴿أولئك حبطت أعمالهم﴾ أي: بشركهم ﴿وفي النار هم خالدون﴾، و [٦] قال تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤)﴾، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فشهد تعالى بالإِيمان لعمار المساجد، كما قال الإمام أحمد: حدثنا سريج [٧]، حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن دراجًا أبا السمَح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله قال: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإِيمان"، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾.

ورواه الترمذي وابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن وهب،


[١]- في ز: "الجهاد لعباده".
[٢]- في ز: "رادًا".
[٣]- سقط من: ز، خ.
[٤]- في ز: "قال".
[٥]- في خ: "الصابئي".
[٦]- في ز: "كما"
[٧]- في ز، خ: "شريح".