للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنافقين وغيرهم، وكان ذلك في عام جدب ووقت قيظ [١] وحر، وخرج رسول الله، ، يريد الشام؛ لقتال الروم، فبلغ تبوك فنزل بها وأقام على مائها [٢] قريبا من عشرين يوما، ثم استخار الله في الرجوع فرجع عامه ذلك؛ لضيق الحال وضعف الناس، كما [٣] سيأتي بيانه بعدُ إن شاء الله تعالى.

وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى أنه لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب أو من أشبههم كالمجوس، كما صحَّ فيهم الحديث أن رسول الله، ، أخذها من مجوس [٤] هجر، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في المثمهور عنه، وقال أبو حنيفة، : بل تؤخذ من جميع الأعاجم سواء كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين ولا تؤخذ من العرب إلا من أهل الكتاب.

وقال الإِمام مالك: بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار، من: كتابي، ومجوسي، ووثني وغير ذلك. ولمآخذ هذه المذاهب وذكر أدلتها مكانٌ غير هذا، والله أعلم.

وقوله: ﴿حتى يعطوا الجزية﴾ أي: إن لم يسلموا ﴿عن يد﴾ أي: عن قهر لهم وغلبة ﴿وهم صاغرون﴾ أي: ذليلون حقيرون مهانون، فلهذا لا يجوز إعزاز [٥] أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صغرة أشقياء، كما جاء في صحيح مسلم (٦٩): عن أبي هريرة، ، أن النبي ، قال: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه"؛ ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله، عنه - تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم، وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: كتبت لعمر بن الخطاب، رضي الله، عنه - حين صالح نصارى من أهل الشام: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرًا، ولا كنيسة، ولا قلاية (*)،


(٦٩) - صحيح مسلم، كتاب السلام رقم (٣/ ٢١٦٧).
(*) قال في النهاية [٤/ ١٠٥]: القَليَّة: كالصومعة؛ كذا وردت، واسمها عند النصارى: القلَّاية، وهو تعرب كلَّادة، وهي من بيوت عباداتهم.