للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقريعًا وتهكّمًا، كما في قوله: ﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ أي: هذا بذاك، وهو الذي كنتم تكنزون لأنفسكم؛ ولهذا يقال: من أحب شيئًا، وقدمه على طاعة الله عذب به، وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عذبوا بها، كما كان أبو لهب - لعنه الله - جاهدًا في عداوة [الرسول] [١]، ، وامرأته تعينه في ذلك، كانت يوم القيامة عونًا على عذابه أيضًا، ﴿فِي جِيدِهَا﴾ أي: عنقها ﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ أي: تجمع من الحطب في النار، وتلقي عليه؛ ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممن [٢] هو أشفق عليه [كان] [٣] في الدنيا، كما أن هذه الأموال لما كانت أعز الأشياء [٤] على أربابها، كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة، فيحمى عليها في نار جهنم - وناهيك بحرها - فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.

قال سفيان (٨٦)، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود: والله الذي لا إله غيره، لا يكوى عبد بكنز فيمس دينار دينارًا ولا درهم درهمًا، ولكن يوسع [٥] جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته.

وقد رواه ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعًا ولا يصح رفعه، والله أعلم.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: بلغني أن الكنز يتحول يوم القيامة شجاعًا يتبع صاحبه، وهو يفر منه ويقول: أنا كنزك، لا يدرك منه شيئًا إلا أخذه.

وقال الإِمام أبو جعفر بن جرير (٨٧): حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، أن رسول الله، ، كان يقول: "من ترك بعده كنزًا، مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع، له زبيبتان يتبعه و [٦] يقول: ويلك! ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك. ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها [٧]، ثم يتبعها سائر جسده".


(٨٦) - رواه الطبري في تفسيره (١٤/ ٢٣٣) رقم (١٦٦٨٢) من طريق سفيان، به.
(٨٧) - تفسير الطبري (١٤/ ٢٣٢) رقم (١٦٦٨٠) وصحيح ابن حبان برقم (٨٠٣) "موارد" ورواه ابن خزيمة في صحيحه برقم (٢٢٥٥) من طريق بشر بن معاذ، به.