للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(قلت): كان من مذهب أبي ذر تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال، وكان يفتي بذلك، ويحثهم عليه، ويأمرهم به، ويغلظ في خلافه، فنهاه معاوية فلم ينته، فخشي أن يضر بالناس في هذا، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان، وأن يأخذ [الذي يأخذه] [١] إليه، فاستقدمه عثمان إلى المدينة، وأنزله بالربذة وحده، وبها مات في خلافة عثمان.

وقد اختبره معاوية وهو عنده هل يوافق عمله قوله؟ فبعث إليه بألف دينار، ففرقها من ورمه. ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال: إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت فهات الذهب. فقال: ويحك! إنها خرجت، ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به.

وهكذا روى على بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنها عامة.

وقال السدي: هي في أهل القبلة.

وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، [فقام عليهم] [٢] فقال: بشر الكانزين [٣] برضف (*) يحمى عليه في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم، حتى يخرج من نغض كتفه، [ويوضع على نغض كتفه] [٤] حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل.

قال: فوضع القوم رءوسهم، فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا، قال: وأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم.

فقال: إن هؤلاء لا يعلمون شيئًا.

وفي الصحيح (٩٢) أن رسول الله، ، قال لأبي ذر: "ما يسرني أن عندي مثل أُحد ذهبًا، يمر عليه [٥] [ثلاثة] [٦] وعندي منه شيء، إلا دينار أرصده لدين".

فهذا - والله أعلم - هو الذي حدا [٧] بأبي ذر على القول بهذا.


(*) الرضف: الحجارة المحماة على النار.
(٩٢) - صحيح مسلم، كتاب الزكاة رقم (٩٩١) من حديث أبي هريرة.