هذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة، وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة، وتحليلهم ما حرم الله، وتحريمهم ما أحل الله.
فإنهم كان فيهم من القوّة الغضبية والشهامة والحميّة ما استطالوا به مدّة الأشهر الثلاثة في التحريم المانع لهم من قضاء أوطارهم من قتال أعدائهم، فكانوا قد أحدثوا قبل الإِسلام بمدة تحليل المحرم وتأخيره [١] إلى صفر، فيحلون الشهر الحرام، ويحرمون الشهر الحلال، ليواطئوا عدة [][٢] الأشهر الأربعة، كما قال شاعرهم وهو عمير بن قيس المعروف بحذل [٣] الطعان:
قال على بن أبي طلحة، عن ابن عباس في [٦] قوله: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ قال: النسيء: أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي [٧] الموسم في كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة، [][٨] فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب، ألا وإن صَفَرَ العام الأولِ العامَ حلالٌ، فيحله للناس، فيحرم صفرًا عامًا ويحرم المحرم عامًا، فذلك قول الله: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْر﴾ [إلى قوله: ﴿الْكَافِرِينَ﴾ وقوله: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [٩] يقول: يتركون المحرم عامًا، وعامًا يحرمونه.
وروى العوفي عن ابن عباس نحوه.
وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام إلى الموسم على حمار له، فيقول: يأيها الناس، إني لا أعاب ولا أحاب [١٠]، ولا مردَّ لما