للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْفُسَكُمْ﴾ وأمر بقتال المشركين، وظاهر السياق مشعرٌ بأنه أمر بذلك أمرًا عامًّا، فلو [١] كان محرمًا في الشهر الحرام لأوشك أن يقيده بانسلاخها؛ ولأن رسول اللَّه، ، حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو ذو القعدة، كما ثبت في الصحيحين أنه خرج إلى هوازن، في شوال، فلما كسرهم واستفاء أموالهم ورجع فَلُّهم فلجئُوا [٢] إلى الطائف - عمد إلى الطائف فحاصرهم أربعين يومًا وانصرف ولم يفتتحها، فثبت أنه حاصَرَ في الشهر الحرام.

والقول الآخر أن ابتداء القتال فى الشهر الحرام حرام، وأنه لم ينسخ تحريم الشهر الحرام، لقوله [٣] تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾. وقال: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ الآية. وقال: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ الآية.

وقد تقدم أنها الأربعة المقررة في كل سنة، لا أشهر التسيير على أحد القولين. وأما قوله تعالى ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ فيحتمل أنه منقطع عما قبله، وأنه حكم مستأنف، ويكون من باب التهييج والتحضيض، أي: كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم، فاجتمعوا أنتم أيضًا لهم إذا حاربتموهم، وقاتلوهم [٤] بنظير ما يفعلون. ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال المشركين فى الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم، كما قال تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ الآية. وهكذا الجواب عن حصار رسول اللَّه، ، أهل الطائف، واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر الحرام، فإنه من تتمة قتال هوازن وأحلافها من ثقيف، فإنهم هم الذين ابتدءوا القتال، وجمعوا الرجال، ودعوا إلى الحرب والنزال، فعندها قصدهم رسول الله ، كما تقدم، فلما تحصنوا بالطائف ذهب إليهم لينزلهم من حصونهم، فنالوا من المسلمين وقتلوا جماعة، واستمر الحصار بالمجانيق وغيرها قريبًا من أربعين يومًا، وكان ابتداؤه في شهر حلال، ودخل الشهر الحرام فاستمر فيه أيامًا، ثم قفل عنهم؛ لأنه يغتفر فى الدوام ما لا يغتفر فى الابتداء، وهذا أمر مقرر وله نظائر كثيرة، والله أعلم. ولنذكر الأحاديث الواردة في ذلك. وقد حررنا ذلك في السيرة، والله أعلم [٥].

﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا


[١]- في خ: "ولو".
[٢]- في خ: "لجئوا".
[٣]- في ت: "لقول".
[٤]- في خ: "وقاتلتموهم".
[٥]- بعده فى ز، خ: "بياضٌ يسع ستة أسطر".