يسمون المحرم ذا الحجة فيحجون فيه واسمه عندهم ذو [١] الحجة، ثم عادوا بمثل هذه الصفة [٢] فكانوا يحجون فى كل شهر عامين، حتى وافق حجة أبي بكر الآخر من العامين في ذي [٣] القعدة، ثم حج النبي:ﷺ، حجته التي حج فوافق ذا الحجة، فذلك حين يقول النبي، ﷺ، في خطته:"إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض".
وهذا الذي قاله مجاهد فيه نظر أيضًا، وكيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت فى ذي القعدة وأنى هذا؟ وقد قال الله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾. الآية. وإنما نودي بذلك [٤] في حجة أبي بكر، فلو لم تكن فى ذي الحجة لما قال تعالى: ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ ولا يلزم من فعلهم النسيء هذا الذي ذكره من دوران السنة عليهم، وحجهم في كل شهر عامين، فإن النسيء حاصل بدون هذا، فإنهم لما كانوا يحلون شهر المحرم عامًا يحرمون عوضه صفرًا، وبعده ربيع وربيع إلى [آخر السنة بحالها على نظامها وعدّتها وأسماء شهورها، ثم في السنة الثانية يحرمون المحرّم ويتركونه على تحريمه، وبعده صفر وربيع وربيع إلى][٥] آخرها، فيحلونه عامًا، ويحرمونه عامًا؛ ليواطئوا عدّة ما حرم اللَّه، فيحلوا ما حرم اللَّه أي [٦]: فى تحريم أربعة أشهر من السنة، إلا أنهم تارة يقدّمون تحريم الشهر الثالث من الثلاثة المتوالية وهو المحرم، وتارة ينسئونه إلى صفر أي: يؤخرونه، وقد قدمنا الكلام على قوله،ﷺ:"إن الزمان قد استدار [كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم؛ ثلاث متوالية: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر] ". [][٧]؛ أي: إن الأمر في عدة الشهور، وتحريم ما هو محرم منها، على ما سبق في كتاب الله من العدد والتوالي، لا كما تعتمده جهلة العرب من فصلهم تحريم بعضها بالنسيء عن بعض، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم (١٠٤): حدثنا صالح بن بشر بن سلمة الطبراني، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أنه قال: وقف رسول الله ﷺ بالعقبة، فاجتمع إليه من شاء الله من المسلمين، فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: "وإنما النسئ من الشيطان زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا
(١٠٤) - إسناده ضعيف من أجل موسى بن عبيدة، تفسير ابن أبي حاتم (٦/ ١٠٠١٩) وجاء فيه: (صالح ابن بشير) بدل (صالح بن بشر) ورواه أبو الشيخ الأصبهاني كما في الدر المنثور (٥/ ١٨٨).