للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا". فكانوا يحرمون المحرم عامًا ويستحلون صفر، ويستحلون المحرم وهو النسيء.

وقد تكلم الإِمام محمد بن إسحاق على هذا في كتاب السيرة كلامًا جيدًا مفيدًا حسنًا فقال: كان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحل منها ما حرم الله وحرم منها ما أحل الله ﷿ القلمس، وهو حذيفة بن عبد فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث ابن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد، ثم من بعد عباد ابنه قلع بن عباد، ثم ابنه أمية بن قلع، ثم ابنه عوف بن أمية، ثم ابنه أبو ثمامة جنادة بن عوف وكان آخرهم وعليه قام الإِسلام، فكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فقام فيهم خطيبًا فحرم رجبًا وذا القعدة وذا الحجة، ويحل المحرم عامًا ويجعل مكانه صفر، ويحرمه عامًا ليواطئ عدة ما حرم الله فيحل ما حرم الله، يعني: ويحرم ما أحل الله، [والله أعلم] [١].

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك، حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارَّة (*) [٢] القيظ، فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله ﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ أي: تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض (**) [٣] وطيب الثمار ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ﴾ [أي: ما لكم فعلتم هكذا؟ أرِضّى منكم بالدنيا بدلًا من الآخرة] [٤]؟.


(*) حمارَّة القيظ: ضدة الحر.
(**) يقال: هو في خفض من العيش؛ أي: فى دعة وراحه.