للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وبه] [١] قال ابن [٢] جرير (١١١): حدثني حبان [٣] بن زيد الشرعبي قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو، وكان واليًا على حمص، قبل الأفسوس (*) [٤]، إلى الجراجمة (**)، فلقيت [٥] شيخًا كبيرًا هِمًّا (* * *) قد سقط حاجباه على عينيه، من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار، فأقبلت إليه فقلت: يا عم، لقد أعذر الله إليك. قال: فرفع حاجبيه [٦] فقال: يا ابن أخي، استنفرَنا الله خفافًا وثقالًا، [] [٧] إنه من يحبه الله يَبْتَلِهِ، ثم يعيده الله فيبقيه، وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر، ولم يعبد إلا الله ﷿.

ثم رغب تعالى في النفقة في سبيله، وبذل المُهَج في مرضاته ومرضاة رسوله، فقال: ﴿وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: هذا خير لكم في الدنيا والآخرة؛ لأنكم تغرمون في النفقة قليلًا، فيغنمكم الله أموال عدوكم في الدنيا، مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة، كما قال النبي، : "تكفل [٨] الله للمجاهد في سبيله؛ إن [٩] توفاه أن يدخله الجنة، أو يرده إلى منزله نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة" (١١٢).

ولهذا قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)﴾.

ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد (١١٣): حدثنا محمد بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس: أن رسول الله، ، قال لرجل: "أسلمْ". قال: أجدني كارهًا. قال: "أسلم وإن [١٠] كنت كارهًا".


(١١١) - رواه الطبري في تفسيره (١٤/ ٢٦٤) رقم (١٦٧٤٥).
(*) الأفسوس: بلدة بثغور طرسوس بالشام. ويقال: إنها بلدة أصحاب الكهف.
(**) الجراجمة: قوم من العَجَم بالجزيرة أو نبط الشام.
(* * *) الشيخ الهِمْ: الفاني.
(١١٢) - رواه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: ﴿قل لو كان البحر مدادًا … .﴾ رقم (٧٤٦٣)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة رقم (١٨٧٦) من حديث أبي هريرة .
(١١٣) - صحيح - رجاله كلهم ثقات. المسند (٣/ ١٠٩، ١٨١) رقم (١٢٠٧٩، ١٢٨٩١). =