للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدًا عن المعنى الأصلي أو تحريفًا أو تبديلًا، مثال ذلك تلخيصه رأي الطبري في تفسير الآية (١٢٤) سورة البقرة.

وقد بينا فيما سبق بعض النصوص التي نقلها - نصًّا - ولم يغير فيها شيئًا وقد فعلنا ذلك مع بعض النصوص التي لم نثبتها خشية الإطالة.

وقد ترى الرواية الواحدة بعدة طرق فيقتصر ابن كثير - أحيانًا - على إحداهما ويشير إلى أن الرواية قد رويت من غير وجه، على نحو ما فعل في روايات تفسير الآية المشار إليها آنفًا.

لقد كانت آراء ابن كثير مستمدة من أوثق الكتب الإِسلامية المعتمدة، لكن ما موقفه من هذا الحشد الهائل من المصادر؟ ونخص الكتب الخمسة التي سبق ذكرها وقلنا: إنه اعتمد عليها كثيرًا؟ هل كان موقفه مجرد "النقل" فقط.

الحقيقة أن ابن كثير عالم حافظ ناقد مدقق وليس مجرد فقال، كما قيل.

فإنه إذا لم يتفق مع غيره من المفسرين في بعض الآراء وجدناه يحشد عددًا هائلًا من الأدلة لدحض هذا الرأي أو ذاك.

ومن طبيعته التدرج في وحدة المعارضة، فإذا استحسن رأيًا نقله بعبارة: "قال فلان" أو: "في تفسير فلان كذا" لكنه إذا خالف رأي غيره قال: "واختار فلان كذا وفيه نظر". وإذا اشتد الخلاف درجة قال: "زعم فلان كذا" فإذا حمي الجدال وجدته يقول: "والعجب كل العجب أن يقول فلان هذا" وقد يزيد: "مع جلالة قدره" أو يقول: "وقد روي فلان خبرًا عجيبًا منكرًا جدًّا" وما شابه ذلك.

وينبه ابن كثير كثيرًا إلى الإسرائيليات في كتب التفسير والحديث والسيرة وغيرها.

وما أكثر هذه الإسرائيليات وما أكثر تحذير ابن كثير منها!

إن تفسير ابن كثير من أمهات كتب التفسير التي تدحض هذه الخرافات التي امتلأت بها كتب كثيرة من التفسير والحديث والسيرة وغيرها. ولقد كان السيوطي صادقًا حين وصف تفسير ابن كثير بأنه "لم يؤلف على نمطه مثله" وبخاصة في مسألة الإسرائيليات ونقدها وتفنيدها وبيان بطلانها؛ فلقد نقد ابن كثير كثيرًا من الروايات الإسرائيلية التي وجدت في أمهات كتب التفسير كالطبري وابن أبي حاتم وابن مردويه وعبد الرزاق الصنعاني والبغوي … إلخ. ونحن إذا ألححنا على تأكيد هذه الحقيقة فإننا نهدف من وراء ذلك إلى تنبيه الأذهان إلى الخطر الكبير الذي امتلأت به كتب التفسير والمتمثل في الأخبار الواهية والروايات الضعيفة والنقول التي أخذت عن أهل الكتاب بلا نقد ولا روية.

<<  <  ج: ص:  >  >>