للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول اللَّه، ، إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول اللَّه، ، أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم؛ ليحتجوا بصلاته [] فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية، فعصمه اللَّه من الصلاة فيه، وقال [١]: "إنا على سفر، ولكن إذا وجعنا إن شاء اللَّه". فلما قفل راجعًا إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه الوحي [٢] بخبر مسجد الضرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم: مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى، فبعث رسول اللَّه، ، إلى ذلك المسجد مَنْ هَدَمَه قبل مقدمه المدينة.

كما قال على بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾: هم أناس من الأنصار ابتنوا [٣] مسجدًا، فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدًا واستعدوا بما [٤] استطعتم من قوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، وأخرج محمدًا وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي، ، فقالوا له [٥]: قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه، وتدعو لنا بالبركة. فأنزل اللَّه ﷿: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ إلى قوله: ﴿الظَّالِمِينَ﴾.

وكذا روي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وقتادة وغير واحد من العلماء.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد اللَّه بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة، وغيرهم قالوا: أقبل رسول اللَّه، يعني من تبوك - حتى نزل بذي أوان - بلد بينه وبين المدينة - ساعة من نهار، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول اللَّه، إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه. فقال: "إني على جناح سفرٍ وحال شغل" - أو كما قال رسول اللَّه، "ولو قد قدمنا إن شاء اللَّه تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه". فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد، فدعا رسول اللَّه، ، مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي، أو أخاه عامر بن عدي أخا بلعجلان [٦]، فقال: "انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرّقاه".


[١]- في خ: "فقال".
[٢]- في خ: "جبريل".
[٣]- في خ: "بنوا".
[٤]- في ز: "ما".
[٥]- سقط من: ز، خ.
[٦]- أي: بني العجلان، على لغة بعض العرب.