للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليكم". فذهب فنزل على قبر أمه، فناجى ربه طويلًا، ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه، وبكى هؤلاء لبكائه، وقالوا: ما بكى نبي اللَّه بهذا المكان إلا وقد أحدث في أمته شيء لا تطيقه، فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم، فقال: "ما يبكيكم؟ " قالوا: يا نبي اللَّه، بكينا لبكائك؛ قلنا [١] لعله أحدلط في أمتك شئ لا تطيقه، قال: "لا، وقد كان بعضه، ولكن نزلت على قبر أمي فدعوت [٢] اللَّه أن يأذن لي في شفاعتها [٣] يوم القيامة فأبى اللَّه أن يأذن لي، فرحمتها وهي أمي فبكيت، لم جاءني جبريل فقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ فتبرأ أنت من أمك، كما تبرأ إبراهيم من أبيه، فرحمتها وهي أمي، ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعًا، فرفع عنهم اثنتين، وأبى أن ووفع عنهم اثنتين: دعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأن لا يلبسهم شيئًا، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع اللَّه عنهم الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأبى اللَّه أن يرفع عنهم القتل والهرج". وإنما عدل إلى قبر أمه؛ لأنها كانت مدفونة تحت كداء، وكانت عسفان لهم (٢٦٦).

وهذا حديث غريب، وسياق عجيب، وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب "السابق واللاحق" بسند مجهول عن عائشة في حديث فيه قصة: أن اللَّه أحيا أمَّهُ فآمنت ثم عادت. وكذلك ما رواه السهيلي في الروض (٢٦٧) بسند فيه جماعة مجهولون، أن اللَّه أحيا له أباه وأمه فآمنا به.

وقد قال الحافظ ابن دحية: [هذا حديث موضوع يرده القرآن والإِجماع قال تعالى: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار﴾.

وقال القرطبي (٢٦٨): إن مقتضى هذا الحديث … وردَّ على ابن دحية] [٤] في هذا الاستدلال بما حاصله: أن هذه حياة جديدة، كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها فصلى عليٌّ العصر.


(٢٦٦) - المعجم الكبير (١١/ ٣٧٤).
(٢٦٧) - الروض الأنف (١/ ١١٣).
(٢٦٨) - ساقه القرطبي في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص ١٦) وقال: خرجه أبو بكر أحمد بن علي الخطيب في كتاب السابق واللاحق، وأبو حفص عمر بن شاهين في الناسخ والمنسوخ،=