للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذه الآية فيها شبه من قوله: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (٤٤)﴾. وقوله: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾، وقوله: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾، وقوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.

وقوله [١]: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذا فيه دلالة على أن الله تعالى هو المحمود أبدًا، المعبود على طول المدى؛ ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره، وفي ابتداء كتابه، وعند ابتداء تنزيله، حيث يقول تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَاب﴾، [﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾] [٢] إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها، وأنه المحمود في الأول والآخر، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، في جميع الأحوال؛ ولهذا جاء في الحديث: "إن أهل الجنَّةَ يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس" (٧). وإنَّما يكون ذلك كذلك لما يرون [٣] [من تضاعف] [٤] نعم الله [٥] عليهم [فتكرر وتعاد] [٦] وتُزاد فليس لها انقضاء ولا أمد، فلا إله إلَّا هو ولا ربَّ سواه.

﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)

يخبر تعالى عن حلمه [٧] ولطفه بعباده أنَّه لا يستجيب لهم [٨] إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنَّه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفًا ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء؛ ولهذا قال: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾. أي: لو استجاب لهم [٩] كلما دعوه به في ذلك لأهلكهم، ولكن لا ينبغي الإِكثار من ذلك، كما جاء في الحديث الذي


(٧) - أخرجه مسلم، كتاب: الجنَّةَ وصفة نعيمها وأهلها، باب: في صفات الجنَّةَ وأهلها، وتسبيحهم فيها بكرة وعشيًّا (١٨، ١٩) (٢٨٣٥)، وأحمد (٤٨١٢) (٣/ ٣٤٩) من حديث جابر بن عبد الله.