أي: ويقول هؤلاء الكفرة الملحدون [٣] المكذبون المعاندون: لولا أنزل [٤] على محمد آية من ربه، يعنون كما أعطى الله ثمود الناقة، أو أن يحول لهم الصفا ذهبًا، أو [٥] يزيح عنهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهارًا، أو نحو ذلك مما الله عليه قادر، ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله، كما قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا * بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾، وكقوله [٦]: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾.
يقول تعالى إِن سنتي في خلقى أني إذا آتيتهم ما سألوا، فإن آمنوا وإلا عاجلتهم بالعقوبة، ولهذا لما خُيِّر رسول الله ﷺ بين أن يعطى ما سألوا فإن أجابوا [٧] وإلا عوجلوا [٨]، وبين [أن يتركهم وينظرهم][٩]- اختار إنظارهم، كما حلم عنهم غير مرة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ولهذا قال تعالى إرشادًا لنبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى الجواب لهم [١٠] عما سألوا: ﴿فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ﴾ أي: الأمر كله لله، وهو يعلم العواقب في الأمور ﴿فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ أي: إن كنتم لا تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم، فانتظروا حكم الله في وفيكم.
هذا مع أنهم قد شاهدوا من معجزاته [١١]ﷺ أعظم مما سألوا، حين أشار بحضرتهم إلى القمر ليلة إبدراه فانشق باثنتين [١٢] فرقة من وراء الجبل وفرقة من دونه (٢١)
(٢١) - أخرج البخاري، كتاب: المناقب، باب: سؤال المشركين أن يُريهم النبيُّ ﷺ آية. . . (٣٦٣٦)، ومسلم، كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: انشقاق القمر (٤٣، ٤٤، ٤٥) (٢٨٠٠)، وغيرهما من حديث ابن مسعود قال: (انشق القمر على عهد النبي ﷺ شقتين، فقال النبيُّ ﷺ: "اشهدوا").