للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هزوًا أهذا الذي بعث الله رسولًا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلًا﴾.

ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحدًا شيئًا وإن كان قد هدى به من هدى، وبصر به من العمي، وفتح به أعينا عميًا، وآذانا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وأضلّ به عن الإِيمان آخرين، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لعلمه وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى: ﴿إن الله لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون﴾ وفي الحديث: عن أبي ذر، عن النبي فيما يرويه عن ربه ﷿: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا - إلى أن قال في آخره - يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه". رواه مسلم بطوله (٤٢).

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)

يقول تعالى مذكرًا للناس قيام الساعة، وحشرهم من أجداثهم إلى عرصات القيامة كأنهم [١] يوم يوافونها لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار، [كقوله: ﴿كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار﴾،] [٢] و [٣] كقوله: ﴿كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها﴾. وقال تعالى: ﴿يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقًا* يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرًا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يومًا﴾. وقال تعالى: ﴿ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة﴾ الآيتين، وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الآخرة، كقوله: ﴿قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم فاسأل العادّين * قال إن لبثتم إلا قليلًا لو أنكم كنتم تعلمون﴾.

وقوله: ﴿يتعارفون بينهم﴾ أي: يعرف الأبناء الآباء، والقرابات بعضهم بعضًا [٤] كما كانوا في الدنيا، ولكن كل مشغول بنفسه ﴿فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون﴾. وقال تعالى: ﴿ولا يسأل حميم حميمًا﴾. الآيات.


(٤٢) - كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم (٥٥) (٢٥٧٧).