للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى مع ما جاء به من الآيات البينات والحجج القاطعات والبراهين الساطعات، إلا قليل من قوم فرعون من الذرية وهم الشباب، على وجل وخوف منه ومن [١] ملئه أن يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر؛ لأن فرعون [لعنه الله] كان جبارًا عنيدًا، مسرفًا في التمرد والعتو، وكانت له سطوة ومهابة تخاف رعيته منه خوفًا شديدًا.

قال العوفي (٨٦)، عن ابن عباس: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ﴾ قال: فإن الذرية التي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل من قوم فرعون - يسير، منهم امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وخازن فرعون وامرأة خازنه.

وروى على بن أبي طلحة (٨٧)، عن ابن عباس في قوله: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ يقول: بني إسرائيل. وعن ابن عباس والضحاك وقتادة: الذرية: القليل.

وقال مجاهد في قوله: ﴿إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ قال: هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم.

واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية: أنها [٢] من بنى إسرائيل لا من قوم فرعون، لعود الضمير على أقرب المذكورين، وفي هذا نظر؛ لأنه أراد بالذرية الأحداث والشباب وأنهم من بني إسرائيل، فالمعروف أن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى واستبشروا به، وقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به من كتبهم المتقدمة، وأن الله تعالى سينقذهم به من أسر فرعون ويظهرهم عليه، ولهذا لما بلغ هذا فرعون حذر كل الحذر فلم يُجْدِ عنه شيئًا، ولما جاء موسى آذاهم فرعون أشد الأذى و ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾. وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد: إلا ذرية من قوم موسى وهم بنو إسرائيل؟!

﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ﴾ أي: وأشراف قومه أن يفتنهم، ولم يكن في بني إسرائيل من يخاف منه أن يفتن عن الإِيمان سوى قارون، فإنه كان من قوم موسى فبغى


(٨٦) - إسناده ضعيف، أخرجه ابن جرير (١١/ ١٥٠)، وعطية العوفي، ضعيف، وقد روي عن ابن عباس خلاف ذلك، وهو الآتى.
(٨٧) - أخرجه ابن جرير (١١/ ١٥٠)، وابن أبي حاتم (٦/ ١٠٥١٦)، وابن المنذر وأبو الشيخ، كما فى "الدر المنثور" (٣/ ٥٦٥).