للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بل ما أرسلنا من قبلك يا محمَّد من رسول الله كذبه قومه أو أكثرهم، كقوله تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، (﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾، ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾. وفي الحديث الصحيح (٩٩): " عرض على الأنبياء، فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس، والنبي يمر [١] معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي ليس معه أحد". ثم ذكر كثرة أتباع موسى ثم ذكر كثرة أمته - صلوات الله وسلامه عليه - كثرة سدت الخافقين الشرقي والغربي.

والغرض أنه لم توجد [٢] قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس وهم أهل نينوى، وما كان إيمانهم إلا خوفاً من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعد ما عاينوا أسبابه، وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا له [٣] واستكانوا، وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم، وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم، فعندها وكشف عنهم العذاب وأخروا، كما قال تعالى: ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾.

واختلف المفسرون هل كشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي، أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط؟ على قولين؛ أحدهما: إنما كان ذلك في الحياة الدنيا كما هو مقيد في هذه الآية، والقول الثاني: فيهما: لقوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ فأطلق عليهم الإِيمان، والإيمانُ منقذ من العذاب الأخروي، وهذا هو الظاهر، والله أعلم.


(٩٩) - لم أقف على اللفظ الذي أورده المصنف، وبنحوه أخرجه البخاري، كتاب: الطب، باب: الحلق من الأذى (٥٧٠) - وانظر أطرافه عند رقم (٣٤١٠) - ومسلم، كتاب: الإيمان" باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب (٣٧٤) (٢٢٠)، والترمذي، كتاب: صفة القيامة، باب: أمة محمَّد سواد عظيم يوم القيامة .. (٢٤٤٨)، والنسائي في الكبرى، كتاب: الطب (٤/ ٧٦٠٤)، وأحمد (١/ ٢٧١، ٣٢١) من حديث ابن عباس، وفي الباب عن عمران بن حصين عند الطبرانى في "الكبير" (١٨/ ٦٠٥)، وصححه ابن حبان (١٣/ ٦٠٨٩)، وعبد الله ابن مسعود عند أحمد (١/ ٤٠١، ٤٢٠)، وأبي يعلى (٩/ ٥٣٣٥)، وصححه ابن حبان (١٦/ ٧٣٤٦).