للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة في تفسير هذه الآية: لم ينفع قرية كفرت، ثم آمنت حين حضرها العذاب فتركت، إلا قوم يونس لما فقدوا نبيهم، وظنوا أن [١] العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم، قال قتادة: وذكر أن قوم يونس كانوا [٢] بنينوى أرض الموصل.

وكذا روي عن ابن مسعود ومجاهد، وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف، وكان ابن مسعود يقرؤها: (فهلا كانت قرية آمنت).

وقال أبو عمران، عن أبي الجلد قال: [لما نزل بهم] [٣] (*) العذاب جعل يدور على رءوسهم كقطع الليل المظلم، فمشوا إلى رجل من علمائهم، فقالوا: علمنا دعاء ندعو به، لعل الله يكشف عنا العذاب. فقال: قولوا: يا حي حين لا حي، يا محيي الموتى، لا إله إلا أنت، قال: فكشف عنهم العذاب.

وتمام القصة سيأتي مفصلاً في سورة والصافات إن شاء الله.

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٠)

يقول تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ﴾ يا محمَّد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلهم، ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ ولهذا قال تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ﴾ [أي: تلزمهم وتلجئهم] [٤] ﴿حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ أي: ليس ذلك عليك ولا إليك،


(*) في ابن جرير (١١/ ١٧٢)، "لما غشى قوم يونس".