للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مماتهم كما بدأهم، مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض، [كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ] [١] وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾، وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة، الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون [٢] من البداءة، كما قال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾، وقال تعالى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾.

وقولهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ أي: يقولون كفرًا وعنادًا: ما نصدقك على وقوع البعث، وما يذكر [٣] ذلك إلا من سَحَرتَه فهو يتبعك على ما تقول.

وقوله: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ يقول تعالى: ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود، وأمد محصور، وأوعدناهم به إلى مدة مضروبة، ليقولن تكذيبًا واستعجالًا: ﴿ما يحبسه﴾ أي: يؤخر هذا العذاب عنا، فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك، فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد.

والأمة تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة؛ فيراد بها الأمد، كقوله في هذه الآية: ﴿إلى أمة معدودة﴾، وقوله في يوسف: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾، وتستعمل في الإمام المقتدى به، كقوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، وتستعمل في الملة والدين، كقوله اخبارًا عن المشركين أنهم قالوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾، وتستعمل في الجماعة؛ كقوله: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾، وقال تعالى [٤]: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ والمراد من الأمة هاهنا الذين يبعث فيهم الرسول؛ مؤمنهم وكافرهم، كما في صحيح مسلم (٢٥): " والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من [٥] هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم لا


(٢٥) - صحيح مسلم، كتاب: الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته (٢٤٠) (١٥٣)، لكنه مغاير في بعض الأحرف لسياق المصنف.
وأخرجه أحمد أيضًا (٢/ ٣١٧، ٣٥٠)، كلاهما من حديث أبي هريرة. وانظر [سورة الأعراف آية ١٥٨].