للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخليل لقومه: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾، وقوله: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم، ولهذا قال:

﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة؛ لأنهم استبدلوا الدركات [١] عن الدرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم وظلّ من يحموم، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرحمن ورؤيته بغضب الديان وعقوبته، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون.

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾

لما ذكر تعالى حال الأشقياء ثَنَّى بذكر السعداء، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فآمنت قلوبهم، وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة، قولا وفعلًا، من الإِتيان بالطاعات، وترك المنكرات، وبهذا ورثوا الجنات، المشتملة على الغرف العاليات، والسرر المصفوفات، والقطوف الدانيات، والفرش المرتفعات، والحسان الخيرات، والفواكه المتنوعات، والمآكل المشتهيات، والمشارب المستلذات، والنظر إلى خالق الأرض والسموات، وهم في ذلك خالدون لا يموتون، ولا يهرمون ولا يمرضون، ولا [٢] ينامون ولا يتغوطون، ولا يبصقون ولا يتمخطون، ان هو إلا رشح مسك يعرقون.

ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ﴾ أي: الذين وصفهم أولًا بالشقاء، والمؤمنين السعداء، فأولئك كالأعمى والأصم، وهؤلاء كالبصير والسميع، فالكافر: أعمى عن [٣] وجه الحق في الدنيا وفي الآخرة، لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه، أصم عن سماع الحجج، فلا يسمع ما ينتفع به ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾. وأما المؤمن: ففطن ذكي لبيب، بصير بالحق يميز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير ويترك الشر، سميع للحجة يفرق بينها وبين الشبهة فلا يروج


[١]- في ز، خ: "بالدركات".
[٢]- سقط من: ت.
[٣]- في ز، خ: "من".