وقوله: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [أي: يردون الناس عن اتباع الحق، وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله ﷿، ويجنبونهم الجنة ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا [١]﴾ أي: ويريدون أن يكون طريقهم [٢] عوجًا غير معتدلة ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾ أي: جاحدون بها مكذبون بوقوعها وكونها.
﴿أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ أي: بل كانوا تحت قهره وغلبته، وفي قبضته وسلطانه، وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الآخرة ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾، وفي الصحيحين (٤٢): " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"، ولهذا قال تعالى: ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾. أي: يضاعف عليهم العذاب، وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعًا وأبصارًا وأفئدة، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم، بل كانوا صمًّا عن سماع الحق، عميًّا عن اتباعه، كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار، كقوله [٣]: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾، ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه، وعلى كل نهي ارتكبوه، ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع؛ أمرها ونهيها، بالنسبة إلى الدار الآخرة.
وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أي: خسروا أنفسهم؛ لأنهم دخلوا [٤] نارًا حامية فهم معذبون فيها، لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين، كما قال تعالى: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾.
﴿وضل عنهم﴾ أي: ذهب عنهم ﴿ما كانوا يفترون﴾ من دون الله من الأنداد والأصنام، فلم تجد عنهم شيئًا، بل ضرتهم كل الضرر، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾، وقال
(٤٢) - أخرجه البخاري، كتاب: التفسير، باب: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ … ﴾ (٤٦٨٦)، ومسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم (٦١) (٢٥٨٣)، والترمذي، كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة هود (٣١٠٩)، والنسائي في "التفسير" (٦/ ١١٢٤٥)، وابن ماجه، كتاب: الفتن، باب: العقوبات (٤٠١٨) من حديث أبي موسى الأشعري.