للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فمأواهم الجنة] [١] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: ماكثين فيها أبدًا ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ معنى [٢] الاستثناء ها هنا: أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمرًا واجبًا بذاته، بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى، فله المنة عليهم دائما [٣]، ولهذا "يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس" (٨٨).

وقال الضحاك والحسن البصري: هي في حق عصاة [٤] الموحدين، الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها، وعقب ذلك بقوله: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ أي: غير مقطوع، قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبو العالية وغير واحد، لئلا يتوهم متوهم بعد ذكره المشيئة أن ثَمَّ انفطاعًا أو [لَبسًا أو شيئًا]، بل ختم له بالدوام وعدم الانقطاع، كما بين هناك أن عذاب أهل النار في النار دائما مردود إلى مشيئته، وأنه بعدله وحكمته عذبهم، ولهذا قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾، كما قال: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ وهنا طيب القلوب وثبت المقصود بقوله: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.

وقد جاء في الصحيحين (٨٩): " يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود بلا [٥] موت، ويا أهل النار خلود بلا [٦] موت".

وفي الصحيح أيضًا (٩٠): " فيقال [٧]: يا أهل الجنة، إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا [٨] أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا".

﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ


(٨٨) - ورد ذلك في حديث صحيح تقدم [سورة يونس/ آية ١٠].
(٨٩) - أخرجه البخاري، كتاب: التفسير، باب: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ (٤٧٣٠)، ومسلم، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (٢٨٤٩)، والترمذي كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة مريم (٣١٥٥)، والنسائي في "التفسير" (٦/ ١١٣١٦)، وأحمد (١١٠٨٠) (٣/ ٩) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٩٠) - صحيح، يأتي تخريجه [سورة الحجر/ آية ٤٨].