للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى: فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير، ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض.

وقوله: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ أي: قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيرًا، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غِيرَه (*) وفجأة نِقَمِهِ، ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وفي الحديث (١١٦): " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب".

ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾.

وقوله: ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ﴾ أي: استمروا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك حتى فجأهم العذاب ﴿وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾.

ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها [١]، ولم يأت قرية مُصْلِحَة بأسُه وعذابُه قط حتى يكونوا هم الظالمين، كما قال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾، وقال: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾.

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)

يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة من إيمان أو [٢] كفران، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾.

وقوله [٣]: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ أي: ولا يزال الخلف بين


= كما في "التقريب"، وذكره الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ٨٦) قال: "رواه أبو يعلى والبزار بنحوه والطبراني في "الصغير" و"الأوسط" ورجالهم ثقات".
(١١٦) - صحيح، تقدم [المائدة/ آية ١٠٥].