للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)

ثم إنّ يوسف، ، أقبل على الفتيين بالمخاطبة، والدعاء لهما إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما، فقال: ﴿أأرباب متفرّقون خير أم الله الواحد القهار﴾ أي [١]: الذي وَليَ كل شيء بعز [٢] جلاله وعظمة سلطانه.

ثم بيّن لهما أن التي يعبدونها، ويسمونها آلهة إنما هو جهل منهم، وتسمية من تلقاء أنفسهم تلقاها خلفهم عن سلفهم، وليس لذلك مستند من عند الله؛ ولهذا قال: ﴿ما أنزل الله بها من سلطان﴾ أي: حجة ولا برهان.

ثم أخبرهم أنّ الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله، وقد أمر عباده قاطبة: أن لا يعبدوا إلا إياه، ثم قال تعالى: ﴿ذلك الدين القيم﴾ أي: هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له هو الدين المستقيم، الذي أمر الله به وأنزل به الحجة والبرهان، الذي يحبه ويرضاه ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ أي: فلهذا كان أكثرهم مشركين ﴿وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين﴾.

وقد قال ابن جرير: إنما عدل بهم يوسف عن تعبير الرؤيا إلى هذا؛ لأنه عرف أنها ضارة لأحدهما، فأحب أن يشغلهما بغير ذلك؛ لئلا يعاودوه فيها، فعاودوه فأعاد عليهم الموعظة.

وفي هذا الذي قاله نظر؛ لأنه قد وعدهما أوّلًا بتعبيرها، ولكن جعل سؤالهما له على وجه التعظيم والاحترام وصلة، وسببًا إلى دعائهما إلى التوحيد والإِسلام، لما رأي في سجيتهما من قبول الخير والإِقبال عليه [٣] والإِنصات إليه؛ ولهذا لا فرغ من دعوتهما شرع في تعبير رؤياهما من غير تكرار سؤال فقال:

﴿يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (٤١)


[١]- سقط من: ز، خ.
[٢]- في ت: لعز.
[٣]- في ز، خ: "له".