للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكفي في الانتظام في سلك النبوّة بمجرّده أم لا؟ الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهو الذي نقله الشيخ أَبو الحسن على بن إسماعيل الأشعري؛ عنهم أنَّه ليس في النساء نبية وإنَّما فيهنّ صدِّيقات، كما قال تعالى مخبرًا عن أشرفهنّ مريم بنت عمران حيث قال تعالى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ فوصفها في أشرف مقاماتها بالصدّيقية، فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإِعظام، فهي صدِّيقة بنص القرآن.

وقال الضحاك (١٥٤)، عن ابن عبَّاس في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾، أي: ليسوا من أهل السماء كما قلتم. وهذا القول من ابن عبَّاس يعتضد بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ الآية، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ الآية.

وقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ المراد بالقرى: المدن، لا أنهم من أهل البوادي، الذين هم [] [١] أجفى الناس طباعًا وأخلاقًا وهذا هو المعهود المعروف: أن أهل المدن أرق طباعًا وألطف من أهل سوادهم، وأهل الريف والسواد أقرب حالًا من الذين يسكنون في البوادي، ولهذا قال تعالى: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾.

وقال قَتَادة في قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ لأنهم أعلم وأحلم من أهل [٢] العمود. وفي الحديث الآخر (١٥٥): أن رجلا من الأعراب أهدى لرسول الله، ، ناقة، فلم يزل يعطه ويزيده حتَّى رضى، فقال رسول الله، : "لقد هممت أن لا أتهب هبة إلَّا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي".


(١٥٤) - إسناده ضعيف، أخرجه ابن أبي حاتم (١٢٠٥١) (٧/ ٢٢١٠) وفي إسناده بشر بن عمارة وهو ضعيف.
(١٥٥) - صحيح، أخرجه أحمد (١/ ٢٩٥)، والطبراني في "الكبير" (١١/ ١٠٨٩٨)، والبزار (٢/ ١٩٣٨ - كشف)، وصححه ابن حبان (١٤/ ٦٣٨٤)، واختاره الضياء في "المختارة" (٦٢/ ٢٨١/ ٢) من حديث عبد الله بن عبَّاس، وأخرجه أحمد (٢/ ٢٤٧، ٢٩٢)، وأَبو داود (٣٥٣٧)، والتِّرمِذي (٣٩٤٠، ٣٩٤١)، والنَّسائي (٦/ ٢٧٩ - ٢٨٠) والبخاري فى "الأدب المفرد" (٥٩٦) من حديث أبي هريرة وقال التِّرمِذي: "حديث حسن" وصححه ابن حبان (١٦/ ٦٣٨٣) والحاكم على شرط مسلم - كما فى "تلخيص الحبير" لابن حجر (٣/ ٨٤).