للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيهِمْ﴾ أي: أجَعل هؤلاء المشركون مع الله آلهة تناظر الرب وتماثله في الخلق، فخلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون أنها مخلُوقة من مخلوق غيره، أي: ليس الأمر كذلك، فإنه لا يشابهه شيء ولا يماثله، ولا ند له، ولا عدل له، ولا وزير له، ولا ولد ولا صاحبة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا، وإنما عبد هؤلاء المشركون معه آلهة هم معترفون أنها مخلوقة له عبيد له، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك (٥٩). وكما [١] أخبر تعالى عنهم في قوله: ﴿مَا [٢] ﴿نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ فأنكر تعالى عليهم ذلك حيث اعتقدوا ذلك، وهو تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ الآية، وقال [٣]: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ فإذا كان الجميع عبيدًا فَلِمَ يعبد بعضهم بعضًا بلا دليل ولا برهان. بل بمجرَّد الرأي والاختراع والابتداع، ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك، وتنهاهم عن عبادة من سوى الله، فكذبوهم وخالفوهم، فحقت عليهم كلمة العذاب لا محالة ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَال (١٧)

اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه، فقال تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ أي: مطرًا [٤] ﴿فَسَالتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ أي: أخذ كل واحد بحسبه، فهذا كبير وسع كثيرًا من الماء، وهذا صغير فوسع بقدره، وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها، فمنها ما يسع علمًا كثيرًا ومنها ما لا يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيلُ زَبَدًا رَابِيًا﴾ أي: فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عال عليه، هذا مثل، وقوله: ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيهِ فِي النَّارِ


(٥٩) - تقدم تخريج ذلك (سورة يوسف / الآية ١٠٦).