للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ﴾ الآية، هذا هو المثل الثاني: وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة ابتغاء حلية، [أي: ليجعل] [١] حلية نحاس أو حديدٍ فيجعل متاعا، فإنه يعلوه زيد منه كما يعلو ذلك زيد منه ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ أي: إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له، كما أن الزبد لا يثبت مع الماء، ولا مع الذهب ونحوه مما يسبك في النار، بل يذهب ويضمحل، ولهذا قال: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ أي: لا ينتفع به، بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي، ويعلق بالشجر، وتنسفه الرياح، وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس يذهب لا يرجع منه [] [٢]، شيء، [ولا يبقى إلا الماء] [٣] وذلك [٤] الذهب ونحوه ينتفع به، ولهذا قال: ﴿وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَال﴾، كقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلا الْعَالِمُونَ﴾.

وقال [٥] بعض السلف (٦٠): كنت إذا قرأت مثلًا من القرآن فلم فهمه بكيت على نفسي، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إلا الْعَالِمُونَ﴾.

قال علي بن أبي طلحة (٦١)، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ الآية: هذا مثل ضربه الله احتمدت منه القلوب على قدر يقينها وشكها، فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله، وهو قوله: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ﴾ [وهو الشك] [٦] ﴿فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ وهي اليقين، وكما يُجْعل الحلي في النار، فيؤخذ خالصُه ويترك خَبَثُه في النار، فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك.

وقال العوفي (٦٢)، عن ابن عباس قوله: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيلُ زَبَدًا رَابِيًا﴾ يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة [٧] ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيهِ فِي النَّارِ﴾ فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد، فللنحاس


(٦٠) - ورد نحو ذلك عن عمرو بن مرة انظر (العنكبوت / آية ٤٣).
(٦١) - أخرجه ابن جرير (١٦/ ٢٠٣١١) وزاد نسبته السيوطي (٤/ ١٠٤) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٦٢) - أخرجه ابن جرير (١٦/ ٢٠٣١٢) وزاد نسبته السيوطي (٤/ ١٠٤) إلى ابن أبي حاتم.