للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والحديد خبث فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء، فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة، وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت، فجعل ذاك مثل العمل الصالح يبقى لأهله، والعمل السيئ يضمحل عن أهله كما يذهب هذا الزبد، وكذلك الهدى والحق جاء [١] من عند الله فمن عمل بالحق كان له، وبقي كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض، وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل [٢] منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النار، فتأكل خبثه ويخرج جيده فينتفع به، فكذلك [٣] يضمحل الباطل، فإذا [٤] كان يوم القيامة وأقيم الناس وعرضت الأعمال، فيزيغ [٥] الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحق بالحق.

وهكذا روي في تفسيرها عن مجاهد والحسن البصري وعطاء وقتادة وغير واحد من السلف والخلف.

وقد ضرب في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين، ناريًّا ومائيًّا وهما قوله: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ الآية، ثم قال: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾ الآية، وهكذا ضرب للكافرين في سورة النور مثلين؛ أحدهما قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ [بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً] [٦]﴾ الآية، والسراب إنما يكون في شدة الحر، ولهذا جاء في الصحيحين (٦٣): فيقال لليهود يوم القيامة فما تريدون؟ فيقولون: أي ربنا عطشنا فاسقنا. فيقال: ألا تردون؟ فيردون النار فإذا هي كسراب [٧] يحطم بعضها بعضًا.

ثم قال تعالى في المثل الآخر: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ [يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ] [٨]﴾ الآية، وفي الصحيحين (٦٤) عن أبي موسى الأشعري [، أن] [٩] رسول الله، ، قال: "إن مثل مما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكان [١٠] منها طائفة طيبة [١١] قبلت الماء،


(٦٣) - أخرجه البخاري، كتاب: التفسير، باب: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ﴾ (٤٥٨١)، ومسلم كتاب: الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية (٣٠٢) (١٨٣) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٦٤) - تقدم تخريجه (سورة الأعراف / آية ٥٨).