يخبر تعالى عن مآل السعداء والأشقياء، فقال: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ أي: أطاعوا الله ورسوله، وانقادوا لأوامره، وصدقوا أخباره الماضية والآتية، فلهم ﴿الْحُسْنَى [١]﴾ وهو الجزاء الحسن، كقوله تعالى مخبرًا عن ذي القرنين أنه قال: ﴿قَال أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ وقال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾.
وقوله: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ أي: لم يطيعوا الله ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ أي: في الدار الآخرة لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملء الأرض ذهبًا ومثله معه لافتدوا به، ولكن لا يتقبل منهم؛ لأنه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ﴾ أي: في الدار الآخرة، أي: يناقشون على النقير والقطمير والجليل والحقير، "ومن نوقش الحساب عذب"(٦٦)، ولهذا قال: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
يقول تعالى: لا يستوي من يعلم من الناس أن الذي ﴿أُنْزِلَ إِلَيكَ﴾ يا محمد ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية، ولا لبس بن فيه ولا اختلاف فيه، بل هو كله [٢] حق يصدق بعضه بعضًا، لا يضاد شيء منه شيئًا آخر، فأخباره كلها حق، وأوامره ونواهيه عدل، كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ [٣] رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ أي: صدقًا في الإِخبار، وعدلًا في الطب، فلا يستوي من تحقق صدق ما جئت به يا محمد، ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يفهمه، ولو فهمه ما انقاد له ولا صدقه ولا اتبعه، كقوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ وقال في هذه [٤] الآية الكريمة: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾ أي: أفهذا كهذا؟ لا استواء.
(٦٦) - صحيح، صح ذلك مرفوعًا إلى النبي ﷺ. ويأتي تخريجه (سورة الإنشقاق / آية).