ثم قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ أي: على من خالفك لا تحزن عليهم؛ فإن الله قدر ذلك ﴿وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ﴾ أي: غم ﴿مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ أي: مما يجهدون أنفسهم في عداوتك وإيصال الشر إليك، فإن الله كافيك وناصرك ومؤيدك ومظهرك ومظفرك بهم.
وقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ أي: معهم [١] بتأبيده ونصره ومعونته [وهديه وسعيه][٢]، [وهذه معية][٣] خاصة، كقوله: ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا﴾، وقوله لموسى وهارون: ﴿لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى﴾، وقول النبي ﷺ للصدّيق وهما في الغار:"لا تحزن إن الله معنا"(٧٣)، وأما المعية العامة [٤] فبالسمع والبصر والعلم، كقوله تعالى: ﴿وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير﴾، وكقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾، وكما قال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا﴾ الآية.
وقال ابن أبي حاتم: ثنا أبي، ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا مسعر، عن ابن عون، عن محمد بن حاطب قال: كان عثمان ﵁ من الذين آمنوا والذين اتقوا والذين هم محسنون.
آخر تفسير [٥] سورة النحل ولله الحمد أجمعه والمنة
وبه المستعان [وهو حسبنا ونعم الوكيل][٦].
(٧٣) - أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة، حديث (٣٦١٥) (٦/ ٦٢٢)، وطرفه في (٣٦٥٢). ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، حديث (٢٠٠٩) (١٨/ ١١٩). كلاهما من حديث البراء عن أبي بكر ﵄ في حديث الهجرة الطويل.