للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر عسل، أرسل إلي بهما جميعًا، فعدلت بينهما، ثم هدانى الله ﷿، فأخذت اللبن، فشربت حتى قرعت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثواة له؛ فقال: أخذ صاحبك الفطرة إنه ليهدى، ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة، فإذا جهنم تنكشف [١] عن مثل الزرابي، قلت: يا رسول الله، كيف وجدتها؟ قال: مثل الحمة السخنة، ثم انصرف لي، فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرًا لهم قد جمعه فلان، فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد، قد أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتاني أبو بكر فقال: يا رسول الله، أين كنت الليلة؟ فقد التمستك في مظانك [٢]، فقال: علمتَ أني أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال: يا رسول الله، إنه مسيرة شهر، فصفه لي، قال: ففتح لي صراط كأني أنظر إليه، لا يسألني عن شيء إلا أنبأته عنه، قال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله، فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة، يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة! قال: فقال: إن من آية ما أقول لكم: أني مررت بعير لكم بمكان [٣] كذا وكذا، قد أضلوا بعيرًا لهم، فجمعه [٤] فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا، ويأتونكم [٥] يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل آدم، عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان [٦] "، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حتى كان قريب [٧] من نصف النهار، حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله .

هكذا رواه البيهقي (٣٣) من طريفين عن أبي إسماعيل الترمذي به، ثم قال بعد تمامه: هذا إسناد صحيح، وروي ذلك مفرقًا في أحاديث غيره، ونحن نذكر من ذلك -إن شاء الله- ما حضرنا. ثم ساق أحاديث كثيرة في الإِسراء كالشاهد لهذا الحديث.


(٣٣) - " دلائل النبوة" للبيهقي (٢/ ٣٥٥: ٣٥٧) وأخرجه البزار في مسنده (٨/ ٣٤٨٤) والطبراني في "المعجم الكبير" (٧/ ٧١٤٢) من طريق إسحاق بن إبراهيم به،: قال البزار: "هذا الحديث لا نعلمه يروى عن شداد بن أوس عن النبي إلا بهذا الإسناد". قال البيهقي: "وهذا إسناد صحيح، وروى ذلك مفرقًا في أحاديث غيره ونحن نذكر من ذلك إن شاء الله تعالى ما حضرنا … ثم ذكر أحاديث". والحديث ذكره الهيثمي في "المجمع" (١/ ٧٨، ٧٩) وقال: "رواه البزار والطبراني في "الكبير" … وفيه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء وثقه يحيى بن معين وضعفه النسائي" وانظر كلام المصنف أعلاه. والحديث زاد نسبته السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٢٦٣) إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.