للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سلط الله عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم، وأذلهم وقهرهم، جزاء وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقًا من الأنبياء والعلماء.

وقد روى ابن جرير (٦٩): حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وَهْب، أخبرني سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ظهر بُخْتُنَصَّرَ على الشام، فخرب بيت المقدس وقتلهم، ثم أتى دمشق فوجد بها دمًا يغلي على كِبًا [١]، فسألهم: ما هذا الدم؟ فقالوا: أدركنا آباءنا على هذا، وكلما ظهر، عليه الكِبَا [٢] ظهر. قال: فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن.

وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب، وهذا هو المضهور، وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم، حتَّى إنه لم يبق من [٣] يحفظ [٤] التوراة، وأخذ معه خلفا منهم أسرى من أبناء الأنبياء وغيرهم، وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها، ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه، لجاز كتابته وروايته، والله أعلم.

ثم قال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ أي: فعديها كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيهَا﴾.

وقوله [٥]: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ أي: المرة الآخرة، أي: إذا أفسدتم المرة الثانية، وجاء أعداؤكم ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ أي: يهينوكم ويقهروكم ﴿وَلِيَدْخُلُوا [٦] الْمَسْجِدَ﴾ أي: بيت المقدس ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي: في التي جاسوا فيها خلال الديار ﴿وَلِيُتَبِّرُوا﴾ أي: يدمروا ويخربوا ﴿مَا عَلَوْا﴾ أي: ما ظهروا عليه ﴿تَتْبِيرًا (٧) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ أي: فيصرفهم عنكم ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ أي: متى [٧] عدتم إلى الإِفساد ﴿عُدْنَا﴾ إلى الإدالة [٨] عليكم في الدنيا، مع ما ندخره لكم في الآخرة من العذاب والنكال، ولهذا قال: ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ أي: مستقرا ومحصرًا، وسجنًا لا محيد لهم عنه.

قال ابن عبَّاس: حصيرًا، أي: سجنا.


(٦٩) - أخرجه ابن جرير في تفسيره - (١٥/ ٢٩ - ٣٠).