للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النفقة، ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيسُورًا﴾ أي: عدهم وعدًا بسهولة ولين: إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله، هكذا فسر قوله: ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيسُورًا﴾ بالوعد- مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، وغير واحد.

﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠)

يقول تعالى آمرًا بالاقتصاد في العيش ذامًّا للبخل ناهيًا عن السرف: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾، أي: لا تكن بخيلًا منوعًا لا تعطي أحدًا شيئًا، كما قالت اليهود عليهم لعائن الله: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾، أي: نسبوه إلي البخل، تعالى وتقدس الكريم الوهاب.

وقوله: ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾، أي ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملومًا محسورًا.

وهذا من باب اللف والنشر، أي: فتقعد إن بخلت ملومًا يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك، كما قال زهير بن أبي سُلمي في المعلقة:

ومن كان ذا مال ويبخل بماله … على قومه يُستغنَ عنه ويُذْمَمِ

ومتى بسطت يدك فوق طاقتك قعدت بلا شيء تنفقه فتكون كالحسير، وهو الدابة التي قد عجزت عن السير فوقفت ضعفًا وعجزًا، فإنها تسمى الحسير، وهو مأخوذ من الكلال، كما قال تعالى: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَينِ يَنْقَلِبْ إِلَيكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾، أي: كليل عن أن يرى عيبًا، هكذا فسر هذه الآية- بأن المراد منها [١] البخل والسرف- ابن عباس والحسنُ وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم.

وقد جاء في الصحيحين (١٤٣) من حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أنه سمع رسول الله، يقول: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد من ثدْييهما إلي تراقيهما [٢] فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت -أو وفرت-


(١٤٣) - أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب الزكاة، باب: مثل المتصدق والبخيل - (١٤٤٣). ومسلم في صحيحه -كتاب الزكاة، باب: مثل المنفق والبخيل - (٧٥) - (١٠٢١).