وقوله: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ﴾، أي: النَّاس ﴿يَوْمَئِذٍ﴾، أي [١]: يوم يدك هذا السد، ويخرج هؤلاء، فيموجون في النَّاس، ويفسدون على النَّاس أموالهم، ويتلفون أشياءهم، وهكذا قال السدي في قوله: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾، قال: ذاك حين يخرجون على النَّاس. وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال، كما سيأتي بيانه عند قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾، وهكذا قال ها هنا: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾ قال ابن زيد في قوله: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾ قال: هذا أول يوم القيامة ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ على أثر ذلك ﴿فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾.
وقال آخرون: بل المراد بقوله: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾ [][٢] أي: يوم القيامة يختلط الإنس والجن.
روى ابن جرير (١٢٤) عن محمَّد بن حميد، عن يعقوب القمي، عن هارون بن عنترة، عن شيخ من بني فزارة في قوله: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾، قال: إذا ماج الإنس والجن، قال إبليس: أنا أعلم لكم علم هذا الأمر. فيظعن إلى المشرق [٣] فيجد الملائكة قد قطعوا [٤] الأرض، ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة بطنوا الأرض، فيقول: ما من محيص. ثم يظعن يمينًا وشمالًا إلى أقصى الأرض، فيجد الملائكة بطنوا الأرض، فيقول: ما من محيص. فبينما هو كذلك إذ عرض له طريق كالشراك، فأخذ عليه هو وذريته، فبينما هم عليه إذ هجموا على النَّار، فأخرج الله خازنًا من خزان النَّار، فقال: يا إبليس، ألم تكن لك المنزلة عند ربك؟! ألم تكن في [٥] الجنان؟! فيقول: ليس هذا يوم عتاب، لو أن الله فرض علي فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه. فيقول: فإن الله قد فرض عليك فريضة. فيقول: ما هي؟ فيقول: يأمرك أن تدخل النَّار. فيتلكأ عليه، فيقول به وبذريته بجناحيه [٦] فيقذفهم في النَّار، فتزفر النَّار زفرة، لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلَّا جثى لركبتيه.
(١٢٤) أخرجه ابن جرير في تفسيره - (١٦/ ٢٨ - ٢٩). وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" - (٤/ ٤٥٤) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.