نَادَى [١] رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ قال بعض المفسرين: إنما أخفى دعاءه؛ لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره. حكاه الماوردي.
وقال آخرون: إنما أخفاه؛ لأنه أحب إلى الله. كما قال قتادة (٤) في هذه الآية: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾: إن الله يعلم القلب التقي، ويسمع الصوت الخفي.
وقال بعض السلف: قام من الليل ﵇ وقد نام أصحابه، فجعل يهتف بربه يقول خُفية: يارب يارب يارب. فقال الله له [٢]: لبيك لبيك لبيك.
﴿قَال رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ أي: ضعفت وخارت القوى ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيبًا﴾ أي: اضطرم [٣] المشيب في السواد. كما قال ابن دريد في مقصورته:
إمَّا تَرَى رأْسِي حاكَى لونُه … طُرَّةَ صُبح تَحْتَ أذيال الدُّجَى
واشْتَعَلَ المبيَض في [٤] مُسوَدّه … مثْلَ اشتعَال النّار في جَمر الغضا
والمراد من هذا: الإخبار عن الضعف والكبر، ودلائله الظاهرة والباطنة.
وقوله: ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ أي: ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء، ولم تردَّني قط فيما سألتك.
وقوله: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ قرأ الأكثرون بنصب الياء من ﴿الْمَوَالِيَ﴾ على أنه مفعول، وعن الكسائي أنه سكن الياء، كما قال الشاعر:
كأن أيديَهُنَّ في القاع القرق [٥] … أيدي جَوَارٍ يتعاطين الورق
[وقال الآخر] [٦]:
فتى لوليباري الشمس ألْقَتْ قناعها … أو القَمَرَ السَّاري لألقى المقالدا
ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي [٧]:
تغاير الشِّعرُ منه إذْ سهرتُ لهُ … حتى ظَننتُ قوافيه سَتَقْتَتِلُ
(٤) - أخرجه الطبري (١٦/ ٤٥).