في سورة العنكبوت: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيهِ آيَاتٌ [١] مِنْ رَبِّهِ قُلْ [٢] إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ وفي الصحيحين [٣](١١٤) عن رسول الله، ﷺ، أنه قال: (ما من نبي [٤]، إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجوا [٥]، أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة".
وإنما ذكر هاهنا أعظم الآيات التي أعطيها ﵇ وهو القرآن - وله من المعجزات ما لا يحد ولا يحصر، كما هو مودع في كتبه، ومقرر في مواضعه.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَينَا رَسُولًا﴾ أي: لو أنا أهلكنا هؤلاء المكذبين قبل أن نرسل إليهم هذا الرسول الكريم، وننزل عليهم هذا الكتاب العظيم، لكانوا قالوا: ﴿رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَينَا رَسُولًا﴾ قبل أن تهلكنا حتى نؤمن به ونتبعه، كما قال: ﴿فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾، يبين تعالى أن هؤلاء المكذبين متعنتون معاندون [لا يؤمنون][٦] ﴿وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾، كما قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ إلى قوله ﴿بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ﴾، وقال: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إلا نُفُورًا﴾ وقال: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾ الآيتين.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ﴾، أي: يا محمد، لمن كذبك وخالفك، واستمر على كفره وعناده ﴿كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ﴾، أي: منا ومنكم ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾، أي: فانتظروا ﴿فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّويِّ﴾، أي: الطريق المستقيم ﴿وَمَنِ اهْتَدَى﴾، إلى الحق وسبيل الرشاد، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ وقال [٧]: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾.
آخر تفسير سورة طه، ولله الحمد والمنة
(١١٤) - أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: كيف نزل الوحي وأول ما نزل، حديث (٤٩٨١)، (٩/ ٣) وطرفه في (٧٢٧٤)، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته، حديث (١٥٢/ ١٣٩).