وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانئ أبي نواس الشاعر أنه قال: أشعر الناس، الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول:
الناسُ في غفلاتهم … ورحا المنية تطحنُ
فقيل له: من أين أخذ هذا؟ قال: من [قوله] تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾.
[وروى في ترجمة عامر بن ربيعة: من طريق موسى بن عبيد الآمدي، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عامر بن ربيعة: أنه نزل به رجل من العرب، فأكرم عامر مثواه، وكلم فيه رسول الله ﷺ، فجاءه الرجل فقال: إني استقمت من رسول الله ﷺ واديًا في العرب، وقد أردت أن أقطع لك منه قمة تكون لك ولعقبك من بعدك. فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [١].
ثم أخبر تعالى أنهم لا يُصغون إلى الوحي الذي أنزله الله على رسوله -والخطاب مع قريش و من [٢] شابههم- من الكفار، فقال: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾، أي: جديد إنزاله ﴿إلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾، كما قال ابن عباس: ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم وقد حرفوه وبدلوه، وزادوا فيه ونقصوا [منه][٣]، وكتابكم أحدث الكتب بالله، [تقرءونه محضًا][٤] لم يشب. ورواه البخاري (٣) بنحوه.
وقوله: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، أي: قائلين فيما بينهم خفْيَةً ﴿هَلْ هَذَا إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ يعنون رسولَ الله، ﷺ، يستبعدون كونه نبيًّا؛ لأنه بَشَرٌ مثلهم، فكيف اختص بالوحي دونهم، ولهذا قال: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾، أي: أفتتبعونه فتكونون كمن [يأتي السحر][٥] وهو يعلم أنه سحر؟! فقال
(٣) - أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: قول النبي ﷺ: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" حديث (٧٣٦٣) (١٣/ ٣٣٤) وطرفه في (٧٥٢٢، ٧٥٢٣).