للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى مجيبًا لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب: ﴿[قَال] [١] رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، أي: الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية، وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين، الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، إلا الذي يعلم السر في السماوات والأرض.

وقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [أي: السميع] [٢] لأقوالكم، العليم بأحوالكم. وفي هذا تهديد لهم ووعيد.

وقوله: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ﴾: هذا إخبار [عن] [٣] تعنت الكفار وإلحادهم، واختلافهم فيما يصفون به القرآن، وحيرتهم فيه، وضلالهم عنه، فتارة يجعلونه سحرًا، وتارة يجعلونه شعرًا، وتارة يجعلونه أضغاث أحلام، وتارة يجعلونه مفترى، كما قال: ﴿انْظُرْ كَيفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾.

وقوله: ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾، يعنون [كناقة] [٤] صالح، وآيات موسى وعيسى، وقد قال الله: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَينَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ الآية، ولهذا قال تعالى: ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾، أي: ما آتينا قرية من القرى [الذين] [٥] بعث فيهم الرسل آية على يدي نبيها فآمنوا بها، بل كذبوا فأهلكناهم بذلك، [أفهؤلاء] [٦] يؤمنون بالآيات لو رَأَوْها دون أولئك؟ كلا، بل ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ هذا كله، وقد شاهدوا من الآيات الباهرات، والحجج القاطعات، والدلائل البينات، على يدي رسول الله، ، ما هو أظهر [وأجلى] [٧]، وأبهر وأقطع وأقهر، مما شُوهِدَ مع غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

قال ابن أبي حاتم : ذكر عن زيد بن الحُبَاب، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن يزيد الحضرمي، عن عليّ بن رباح اللخمي، حدثني من شهد عبادة بن الصامت يقول: كنا في المسجد، ومعنا أبو بكر الصديق يُقْرِئ بعضنا بعضًا القرآن، فجاء عبدُ الله بن أُبيٍّ بن سلول ومعه نمرقة (*) وزربية (**)، فوضع واتكأ، وكان


(*) النمرقة: وسادة الصغيرة.
(**) الزربية: البساط ذو الخمل.