للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سفيان، عن الأعمش، عن مسلم -هو البطين- عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس قال: لما أخرج النبي، ، من مكة، قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكنَّ. قال ابن عبَّاس: فأنزل الله ﷿: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾، قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: فعرفت أنَّه سيكون قتال.

و [١] رواه الإِمام أحمد (١٥٤)، عن إسحاق بن [٢] يوسف الأزرق، به، وزاد: قال ابن عبَّاس: وهي أول آية نزلت في القتال.

ورواه التِّرمِذي والنَّسائي في التفسير من سننيهما (١٥٥) وابن أبي حاتم من حديث إسحاق بن يوسف، زاد التِّرمِذي: ووكيع، كلاهما عن سفيان الثوري، به. وقال التِّرمِذي: حديث [٣] حسن. وقد رواه غير واحد عن الثوري، وليس فيه ابن عبَّاس.

وقوله: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾، أي: هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبلوَ جهدهم في طاعته، كما قال: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦)﴾، وقال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾، [وقال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ والآيات في هذا كثيرة؛ ولهذا قال ابن عبَّاس في قوله: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾: وقد فعل] [٤].

وإنَّما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر


(١٥٤) تفسير الطبري (١٧/ ١٢٣)، والمسند (١/ ٢١٦).
(١٥٥) سنن التِّرمِذي، كتاب تفسير القرآن حديث (٣١٧١)، وسنن النَّسائي الكبرى برقم (١١٣٤٥).