للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عددًا، فلو أَمَر المسلمين وهم أقل من العشر بقتال الباقين [١] لشق عليهم، [ولهذا لما بايع أهل] [٢] يثرب ليلة العقبة رسول الله، ، وكانوا نيفًا وثمانين، قالوا: يا رسول الله، ألا نميل على أهل الوادي -يعنون أهل منى- ليالي منى فنقتلهم؟ فقال رسول الله، : "إني لم أومر بهذا". فلما بغى المشركون، وأخرجوا النبي من بين أظهرهم، وهموا بقتله، وشردوا أصحابه شَذَر مَذَر، فذهب منهم طائفة إلى الحبشة، وآخرون إلى المدينة، فلما استقروا بالمدينة، ووافاهم رسول الله، ، واجتمعوا عليه، وقاموا بنصره، وصارت لهم دار إسلام، ومعقلًا يلجئون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك، فقال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيرِ حَقٍّ إلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾.

قال العوفي، عن ابن عباس: أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق، يعني: محمدًا وأصحابه.

﴿إلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾، أي: ما كان لهم إلى قومهم إساءة، ولا كان لهم ذنب، إلا أنهم عبدوا الله وحده لا شريك له، وهذا استثناء منقطع بالنسبة [إلى ما] [٣] في نفس الأمر، وأما عند المشركين فهو أكبر الذنوب، كما قال تعالى: ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ لهذا [] [٤] لما كان المسلمون يرتجزون في بناء الخندق ويقولون:

لاهُمّ لولا أنت ما اهتَدَينا … ولا تَصَدّقْنا ولا صَلَّينا

فأنزلَنْ سَكينَةً علينا … وثبت الأقدام أن لاقينا

أن الآلى قد بغوا علينا … إذا أرادوا فتنةً أبينا

فيوافقهم رسول الله، ، ويقول معهم آخر كل قافية، فإذا قالوا: إذا أرادوا فتنة أبينا، قال [٥]: "أبينا"، يمد بها صوته.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾، أي: لولا أنه يدفع عن قوم بقوم، ويكشف شر أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب، لفسدت الأرض، وأهلك القوي الضعيف.


[١]- في ز، خ: "المنافقين".
[٢]- في خ: "ولما بايع هذا أهل".
[٣]- في خ: "لما".
[٤]- في ز: قال:
[٥]- في ز: فيقول: