للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ﴾، أي: بمن يهاجر ويجاهد في سبيله، وبمن يستحق ذلك ﴿حَلِيمٌ﴾، أي: يحلم ويصفح، ويغفر لهم الذنوب، ويكفرها عنهم بهجرتهم إليه، وتوكلهم عليه، فأما من قتل في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر، فإنه حي عند ربه يرزق، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ والأحاديث في هذا كثيرة كما تقدم. وأما من توفي في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر فقد تضمنت هذه الآية الكريمة مع الأحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه، وعظيم إحسان الله إليه.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا المسيب بن واضح، حدثنا ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن شريح، عن ابن الحارث -يعني: عبد الكريم- عن ابن عقبة -يعني: أبا عبيدة بن عقبة- قال: حدثنا شرحبيل بن السمط: طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم، فمر بي سلمان -يعني: الفارسي فقال: إني سمعت رسول الله، ، يقول: "من مات مرابطًا، أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر، وأجرى عليه الرزق، وأمن [١] من [٢] الفتّانين" واقرءوا إن شئتم: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيم﴾.

وقال أيضًا: حدثنا أبو زرعة، حدثنا زيد بن بشر، أخبرني همام، أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن سيف المعافري يقولان: كتاب بـ "رودس"، ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله، ، فمر بجنازتين؛ إحداهما قتيل، والأخرى متوفى، فمال الناس على القتيل، فقال فضالة: ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا؟ فقالوا: هذا قتيل في سبيل الله تعالى. فقال: والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت، اسمعوا كتاب الله: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا﴾ حتى آخر الآية.

وقال أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا عبدة بن سليمان، أنبأنا ابن [٣] المبارك، أنبأنا ابن لهيعة، حدثنا [٤] سلامان [٥] بن عامر الشعباني، أن عبد الرحمن بن جحدم الخولاني حدثه: أنه حضر فضالة بن عبيد في البحر مع جنازتين؛ أحدهما: "أصيب بمنجنيق، والآخر توفي، فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى، فقيل له: تركت الشهيد فلم تجلس عنده؟ فقال: ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت، إن الله يقول: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا


[١]- في ز: أومن.
[٢]- سقط كان خ.
[٣]- سقط من ز، خ.
[٤]- سقط من ز.
[٥]- في خ: "سليمان".