للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تَفَجَّر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن.

وقال ابن أبي حاتم (١٨): حدثنا أحمد بين سنان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ["ما منكم] [١] من أحد إلا وله فزلان: منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ ".

وقال ابن جريج: عن ليث، عن مجاهد: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ قال: ما من عبد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فيبنى بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار، وأما الكافر فيهدم بيته الذي في الجنة، ويبنى بيته الذي في النار. ورُوي عن سعيد بن جبير نحو ذلك.

فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم ﷿، بل أبلغ من هذا أيضًا، وهو ما ثبت في صحيح مسلم (١٩)، عن أبي بردة بن أبي موسى [عن أبيه] [٢]، عن النبي قال: "يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى". وفي لفظ له: قال رسول الله : "إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهوديًّا أو نصرانيًّا، فيقول [٣]: هذا فكاكك من النار". فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو -ثلاث مرات- أن أباه حدثه عن رسول الله ، قال: فحلف له.

قلت: هذه الآية كقوله تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾.

وكقوله: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وقد قال مجاهد وسعيد بن جبير: الجنة بالرومية: هي [٤] الفردوس. وقال بعض السلف: لا يسمى البستانُ فردوسًا إلا إذا كان فيه عنب، فالله أعلم.


(١٨) ورواه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب: صفة الجنة (٤٣٤١) عن أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن سنان، كلاهما عن أبي معاوية، به. وقال البروصيري في الزوائد (٣/ ٣٢٧): "هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين".
(١٩) صحيح مسلم في كتاب التوبة حديث (٢٧٦٧).