﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً﴾ هذا الضمير عائد على جنس الإِنسان، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾، أي: ضعيف، كما قال: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ يعني: الرحم معد لذلك مهيأ له، ﴿إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾، أي: مدة معلومة وأجل معين، حتى استحكم، وتنقل من حال إلى حال، وصفة إن صفة، ولهذا قال ها هنا: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾، أي: ثم [١] صيرنا النطفة، وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل، وهو ظهره -وترائب المرأة- وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى الثندوة فصارت علقة حمراء على شكل العلقة، مستطيلة. قال عكرمة: وهي دم ﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾، وهي قطعة كالبضعة من اللحم، لا شكل فيها ولا تخطيط، ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾، يعني: شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين، بعظامها وعصبها وعروقها.
وقرأ آخرون: ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ قال ابن عباس: وهو عظم الصلب.
وفي الصحيح (٢١) من حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "كل جسد ابن آدم يبلى إلا عَجْبُ الذنب، منه خلق، ومنه [٢] يركب". ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾ أي: وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾، [أي: ثم نفخنا فيه الروح، فتحرك وصار خلقا آخر][٣]، ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا جعفر بن مسافر، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا النضر -يعني ابن كثير مولى بني هاشم- حدثنا زيد بن علي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب ﵁ قال: إذا تمت النطفة [٤] أربعة أشهر، بُعث [٥] إليها ملك [٦] فنفخ فيها الروح في الظلمات الثلاث، فذلك قوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾، يعني:[نفخنا فيه][٧] الروح. وروي عن أبي سعيد الخدري أنه [نفخ][٨] الروح.
(٢١) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن برقم (٤٨١٤، ٤٩٣٥)، وصحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة حديث (٢٩٥٥) من حدث أبي هريرة ﵁.