للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[قال ابن عباس: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾، يعني به الروح] [١]. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، والشعبي، والحسن، وأبو العالية، والضحاك، والربيع بن أنس، والسدي، وابن زيد، واختاره ابن جرير. وقال العوفي: عن ابن عباس: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾، يعني: ننقله [٢] من حال إلى حال، إلى أن خرج طفلًا، ثم نشأ صغيرًا ثم احتلم، ثم صار شابًّا، ثم كهلا، ثم شيخا [٣] هرمًا. وعن قتادة والضحاك نحو ذلك، ولا منافاة، فإنه من ابتداء نفخ الروح شرع في هذه التنقلات والأحوال، والله أعلم.

قال الإِمام أحمد في مسنده (٢٢): حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله -هو ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم ليجمع خلقه [٤] في بطن أمه في أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وهل هو شقي أو سعيد. فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها".

أخرجاه من حديث سليمان بن مهران الأعمش.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو مغاوية، عن الأعمش، عن خيثمة قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود-: إن النطفة إذا وقعت في الرحم، طارت في كل شعر وظفر، فتمكث أربعين يوما، ثم تتحدر [٥] في الرحم فتكون علقة.

وقال الإمام أحمد أيضًا (٢٣): حدثنا حسين بن الحسن، حدثنا أبو كُدَينة، عن عطاء بن السائب، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله قال: مر يهودي برسول الله وهو يحدث أصحابه، فقالت قريش [٦]: يا يهودي! إن هذا يزعم أنه نبي. فقال: لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي. قال: فجاءه حتى جلس، فقال: يا محمَّد! مم يخلق الإنسان؟ فقال: "يا يهودي! من كل يُخْلَقُ، من نطفة الرجل ومن


(٢٢) تفسير الطبري (٨/ ٨١).
(٢٣) المسند (١/ ٣٨٢)، وصحيح البخاري، كتاب القدر حديث (٦٥٩٤)، وصحيح مسلم، كتاب القدر (٢٦٤٣).