وقال أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شيبان، عن جابر الجعفي، عن عامر الشعبي، عن زيد بن ثابت الأنصاري (٢٨) قال: أملى عليَّ رسول اللَّه ﷺ هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالةٍ مِنْ طِينٍ﴾ إلى قوله: ﴿خَلْقًا آخَرَ﴾ فقال معاذ: فتبارك اللَّه أحسن الخالقين! فضحك رسول اللَّه ﷺ، فقال له معاذ: مم تضحك يا رسول الله؟ قال:"بها ختمت: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ ".
جابر بن زيد الجعفي ضعيف جدًّا، وفي خبره هذا نكارة شديدة، وذلك أن هذه السورة مكية. وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة، وكذلك إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة أيضًا، فاللَّه أعلم.
وقوله: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ يعني: بعد هذه النشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ يعني: النشأة الآخرة ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ يعني: يوم المعاد، وقيام الأرواح فالأجساد، فيحاسب الخلائق ويوفي كل عامل عمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.
لما ذكر تعالى خلق الإِنسان، عطف بذكر خلق السموات السبع، وكثيرًا ما يذكر تعالى خلق السموات والأرض مع خلق الإِنسان، كما قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ وهكذا في أول (الم السجدة) التي كان رسول اللَّه ﷺ يقرأ بها صبيحة يوم الجمعة، في أولها خلق السموات والأرض، ثم بيان خلق الإِنسان من سلالة من طين، وفيها أمر المعاد والجزاء، وغير ذلك من المقاصد.